يبدو أن أيام رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، باتت معدودة، لاسيما عقب تصريحاته الإعلامية الأخيرة الخاصة بتضخّم حجم الفساد في أجهزة الدولة بشكل عام إلى 600 مليار جنيه (نحو 77 مليار دولار)، وهو ما اعتبرها مراقبون بمثابة نهاية "جنينة" عقب حملة الهجوم الممنهجة التي صاحبت الرجل فور تصريحاته. والمتابع لقصة "جنينة" يجد أن نظام 3 يوليو برئاسة عبدالفتاح السيسي، يخطط ليس فقط لإزاحته من منصبه لصالح أحد خصومه بل وللتنكيل به وربما الزج به خلف القطبان. لجنة تقصّي حقائق البداية جاءت مع إصدار "السيسي" قرارًا بتشكيل "لجنة تقصّي حقائق" بعد تصريحات جنينة، وهي سابقة لم تشهدها مصر من قبل، أي أن تُشكّل لجنة لتقصي الحقائق بشأن تصريحات صحفية، وليس في واقعة محددة أو حدث ضخم، مُكلفًا أعضاء اللجنة بالانتهاء من عملهم على نحو عاجل، مما يدل على سرعة التحقيقات التي ستجريها اللجنة. ولم تقتصر خطورة الأمر على تشكيل اللجنة، بل تمتد لأعضائها، فرئيسها هو رئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان، الضابط السابق المقرّب من الرئيس السيسي، وتضم في عضويتها المستشار هشام بدوي، محامي عام نيابات أمن الدولة سابقًا ومساعد وزير العدل أحمد الزند سابقًا، والنائب الأول لجنينة حاليًّا، والذي عيّنه السيسي في منصبه الأخير من دون علم جنينة؛ وهو يعرف قدر الخصومة بين الرجلين، بسبب انتماء جنينة لتيار الاستقلال القضائي، فيما ينتمي بدوي لتيار الزند، العدو الأبرز لجنينة وقضاة الاستقلال منذ صراعهما في نادي القضاة أواخر عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وتضم اللجنة المشكلة من قبل السيسي ممثلين لثلاث وزارات يختصمها جنينة أيضًا في تقاريره الرقابية، الأولى هي وزارة العدل التي يسيطر الزند عليها، ويهاجمها جنينة بسبب عدم كشف حسابات المحاكم باختلاف درجاتها وأندية القضاة للجهاز المركزي للمحاسبات، والثانية هي "الداخلية" التي تحدث جنينة مرارًا عن رفضها الخضوع للجهاز مخالفة الدستور، والثالثة هي "المالية" التي انتقد جنينة حساباتها الختامية للموازنة وإدارتها للموارد أكثر من مرة خلال العامين الماضيين. بلاغ ضد جنينة جاء ذلك بالتزامن مع تقدم بعض المحامين التابعين للنظام ببلاغات للنيابة العامة، مطالبين بالتحقيق مع جنينة فيما ذكره من أرقام، بحجة تأثير تصريحاته على الاقتصاد القومي. وأحال النائب العام المستشار نبيل صادق بلاغًا ضد المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، يتهمه بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالاقتصاد القومى إلى نيابة أمن الدولة لاتخاذ اللازم والتحقيق. وورد فى البلاغ أن المستشار هشام جنينة أدلى بتصريحات مريبة للرأي العام، الغرض منها الإساءة لجميع مؤسسات الدولة والجهات السيادية فيها والتشكيك فى نزاهتها، وتحدث عن أرقام فساد كبيرة ما يصيب المواطنين باليأس من الإصلاح ويساعد على إقرار حالة عامة من الخنوع والاتكال بين الشباب لأنهم لا يجدون سوى تصريحات وتقارير مسموعة دون محاسبة أو عقوبات على أرض الواقع. طلب إحاطة لـ"جنينة" فى أول جلسة للبرلمان وفي إطار الحملة الممنهجة التي تمارس ضد "جنينة"، قال مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، إنّ رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، ليس مفوضًا بالإدلاء بأي تصريحات إعلامية، إلا أمام مجلس النواب فقط، مؤكدًا: "سنستدعي المستشار هشام جنينة مع انعقاد جلسات البرلمان، لتقديم المستندات التي لديه بشأن الإشاعة التي أطلقها مؤخرًا". وأضاف "بكري" خلال لقاءٍ له ببرنامج "ساعة من مصر"، المذاع على فضائية "الغد العربي"، أنّ تصريحات المستشار هشام جنينة، الأخيرة الذي قال فيها إنّ حجم الفساد وصل في عام واحد إلى 600 مليار جنيه، تعد إشاعة هدفها تكدير السلم والأمن العام. وأوضح "بكري" أن الإشاعة التي أطلقها هشام جنينة الخاصة بشأن الفساد ليست في محلها، لأنّ موازنة الدولة لا تصل إلى 300 مليار جنيه، قائلاً: "إشاعة جنينة تم إطلاقها من غير مناسبة" وتخدم أجندة معينة ومخططًا خارجيًا. وأوضح "بكري": "أنّه لا يُمكن لهشام جنينة أنْ يكون طرفًا في اللجنة التي تم تشكيلها من الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشأن بحث الإشاعة التي ادعى فيها بأنّ حجم الفساد وصل إلى 600 مليار جنيه". يلفظ أنفاسه الأخيرة وفي الإطار ذاته، اتهم طارق محمود، المحامي، المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بأنه يحاول أن يظهر بمظهر الشهيد أمام الرأي العام، مضيفًا أنه فبرك بعض تقارير الفساد ضد مؤسسات الدولة والجهات السيادية. وقال خلال حواره مع الإعلامي أحمد موسى، ببرنامج "على مسئوليتي"، المذاع على فضائية "صدى البلد"، إن "جنينة"، يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأنه لديه إصرار لتنفيذ أجندة جماعة الإخوان، حسب زعمه. وأضاف أن "جنينة"، فقد صلاحيته لمنصب رئيس الجهاز، ويجب عزله فورًا، مشيرًا إلى أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وفى حالة إدانته يدخل السجن، ومنصبه لن يحصنه. دندراوي: الفصل الأخير لجنينة وواصل دندراوى الهوارى، الكاتب الصحفي المقرب من النظام، الحملة ضد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قائلاً عبر مقاله المسمي "الفصل الأخير فى مسرحية «هشام جنينة» لإحراج النظام، إن المعلومات المؤكدة التي خرجت من دهاليز الجهاز المركزي للمحاسبات، أكدت أن القيادات داخل الجهاز انزعجوا من تصريحات جنينة عن حجم الفساد الذى بلغ 600 مليار جنيه فى عام واحد 2015، وهو رقم بعيد كل البعد عن الحقيقة- حسب قوله. وأضاف الدندراوي أن قيادات الجهاز تعجبوا كيف له أن يدلى بهذا التصريح فى هذا التوقيت المهم، وتساءلوا هل التصريح بحجم الفساد له علاقة بالمخططات استعدادًا لـ25 يناير المقبل؟. وبحسب الهواري فإن قيادات الجهاز الرقابي، فجروا مفاجأة مدوية، عندما أكدوا أيضًا أن الجهاز وصل إليه طلب من وزارة التخطيط، تطلب منه، تقدير حجم الفساد فى المؤسسات المختلفة، واعتكف خبراء الجهاز على إعداد دراسة منذ بداية عام 2012 وحتى نهاية 2015، وتبين أن فاتورة الفساد فيما يقرب من 4 سنوات وصلت إلى 440 مليار جنيه، ومن ثم السؤال: "لماذا صرح هشام جنينة بهذا التصريح الغريب، ومن أين جاء بهذا الرقم المغلوط"؟ جنينة فريسة سهلة وكان جنينة قد أصدر بيانًا أكد فيه أن حجم الفساد المُقدّر بـ600 مليار جنيه في أجهزة الدولة صحيح، لكنه حصيلة أربع سنوات وليست سنة واحدة، غير أن السيسي لم يعبأ بهذا البيان، وشكل اللجنة بعد صدور التصريح بنحو 12 ساعة. يشار إلى أن السيسي لم يستدعِ جنينة، ولم تعلن مؤسسة الرئاسة أو جنينة نفسه أن اتصالاً دار بين الطرفين، على الرغم من أن الطبيعي في مثل هذه الحالات أن يتواصل رئيس الجمهورية مع المسئول للاستفسار عن صحة التصريحات. وإذا خرجت نتائج عمل لجنة تقصي الحقائق مؤكدة أن التصريحات كاذبة، أو أنها ﻻ تستند إلى تقارير ودراسات مؤسسية، فلن تكون أيام جنينة معدودة في منصبه فقط، بل سيكون مهددًا بالمحاكمة الجنائية أيضًا، وفقاً لقانون تحديد حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الجهات الرقابية، الذي أصدره السيسي في يوليو الماضي، فإن من بين الحالات التي تُوجب إقالة رئيس الجهاز الرقابي "إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو مصلحة إحدى الشخصيات الاعتبارية العامة". وبذلك يسهل تطبيقها على الوضع الحالي، بحجة تأثير تصريحات جنينة على الاقتصاد والاستثمار، وإعاقتها لجهود الدولة لجذب المستثمرين، بالإضافة إلى إساءتها لجهات الدولة التي اتهمها بالفساد. وإذا أقيل جنينة من منصبه فسوف يكون فريسة سهلة لقرار اتهام من النيابة العامة بنشر بيانات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإضعاف اقتصاد الدولة، وهي جريمة يُعاقب عليها بالحبس لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات.